فصل: تفسير الآيات (34- 38):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (14- 15):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ} [14- 15].
{وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم} أي: على هؤلاء المستهزئين: {بَاباً مِّنَ السَّمَاء فَظَلُّواْ} أي: فصاروا طول نهارهم: {فِيهِ يَعْرُجُونَ} أي: يصعدون مستوضحين لما يرونه فيها من العجائب.
{لَقَالُواْ إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} أي: حيرت أو حبست من الإبصار، وما نراه شيء نتخايله لا حقيقة له: {بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ}.
قال الناصر في الانتصاف: المراد، والله أعلم، يعني من الآيتين: إقامة الحجة على المكذبين بأن الله تعالى سلك القرآن في قلوبهم وأدخله في سويدائها، كما سلك ذلك في قلوب المؤمنين المصدقين. فكذب به هؤلاء وصدق به هؤلاء، كلٍّ على علم وفهمٍ: {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ} [الأنفال: 42]، ولئلا يكون للكفار على الله حجة بأنهم ما فهموا وجوه الإعجاز كما فهمها من آمن. فأعلمهم الله تعالى من الآن، وهم في مهلة وإمكان، أنهم ما كفروا إلا على علم، معاندين باغين غير معذورين، والله أعلم. ولذلك عقبه تعالى بقوله: {وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِم} الآية، أي: هؤلاء فهموا القرآن وعلموا وجوه إعجازه، وولج ذلك في قلوبهم ووقر، ولكنهم قوم سجيتهم العناد وسيمتهم اللدد، حتى لو سلك بهم أوضح السبيل وأدعاها إلى الإيمان بضرورة المشاهدة، وذلك بأن يُفتح لهم باب في السماء، ويعرج بهم إليه حتى يدخلوا منها نهاراً.
وإلى ذلك الإشارة بقوله: {فَظَلُّوا} لأن الظلول إنما يكون نهاراً؛ لقالوا بعد هذا الإيضاح العظيم المكشوف: {إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا} وسحرنا محمد. وما هذه إلا خيالات لا حقائق تحتها. فأسجل عليهم بذلك أنهم لا عذر لهم في التكذيب، من عدم سماع ووعي ووصول إلى القلوب وفهم، كما فهم غيرهم من المصدقين؛ لأن ذلك كله حاصل لهم. وإنما بهم العناد واللدد والإصرار لا غيره. والله أعلم.
ثم بيَّن تعالى دلائل وحدته وعظمته وقدرته الباهرة، بقوله سبحانه:

.تفسير الآيات (16- 18):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ} [16- 18].
{وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً} جمع برج يطلق على القصر والحصن وعلى المنازل الاثني عشر التي تنتقل فيها الشمس في ظاهر الرؤية.
وقد فسرت البروج في الآية بالنجوم وبالمنازل المذكورة وبالقصور، على التشبيه بحصون الأرض وقصورها. فإن النجوم هياكل فخيمة عظيمة: {وَزَيَّنَّاهَا} أي: السماء بتلك البروج المختلفة الأشكال والأضواء المرئية: {لِلنَّاظِرِينَ} أي: إلى حركاتها وأضوائها. أو للمتفكرين المعتبرين المستدلين بها على قدرة موجدها ووحدانيته.
{وَحَفِظْنَاهَا مِن كُلِّ شَيْطَانٍ رَّجِيمٍ}
{إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ} أي: اختلس: {السَّمْعَ} أي: من الملائكة السماوية: {فَأَتْبَعَهُ} أي: تبعه ولحقه: {شِهَابٌ مُّبِينٌ} أي: لهب محرق ظاهر، فيرجع أو فيحترق.

.تفسير الآية رقم (19):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} [19].
{وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا} أي: بسطناها: {وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ} أي: جبالاً ثوابت: {وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ} أي: وزن بميزان الحكمة، وقدر بمقدار تقتضيه، لا يصلح فيه زيادة ولا نقصان، أو بمعنى مستحسن متناسب، من قولهم: كلام موزون.
وقد ذكر الشريف المرتضى في الدرر أن العرب استعملته بهذا المعنى، كقول عمر ابن أبي ربيعة.
وحديث ألذه هو مما ** تشتهيه النفوس يوزن وزنا

.تفسير الآيات (20- 21):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} [20- 21].
{وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ} أي: ما تعيشون به من المطاعم والملابس وغيرهما، مما تقتضيه ضرورة الحياة: {وَمَن لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ} أي: من الأنعام والدواب وما أشبهها. قال القاضي: وفذلكة الآية الاستدلال بجعل الأرض ممدودة بمقدار وشكل معينين، مختلفة الأجزاء في الوضع، محدثة فيها أنواع النبات والحيوان المختلفة خلقة وطبيعة، مع جواز أن لا يكون كذلك، على كمال قدرته وتناهي حكمته، والتفرد في الألوهية والامتنان على العباد بما أنعم عليهم في ذلك؛ ليوحدوه ويعبدوه. ثم بالغ في ذلك وقال: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ} أي: وما من شيء إلا ونحن قادرون على إيجاده وتكوينه أضعاف ما وجد منه. شبه اقتداره على كل شيء وإيجاده بالخزائن المودعة فيها الأشياء، المعدَّة لإخراج ما يشاء منها وما يخرجه إلا بقدر معلوم، استعارة تمثيلية. أو شبَّه مقدوراته بالأشياء المخزونة التي لا يحوج إخراجها إلى كلفة واجتهاد، استعارة مكنية، ومعنى: {نُنَزِّلُهُ} أي: نوجده ونخرجه في عالم الشهادة. والقدر المعلوم: الأجل المعين له، حسبما تقتضيه الحكمة، وقوله تعالى:

.تفسير الآيات (22- 23):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} [22- 23].
{وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} أي: تلقح السحاب، أي: تجعلها حوامل بالماء، وذلك أن السحاب بخار يصير، بإصابته الهواء البارد حوامل للماء. قاله المهايمي. فاللواقح عليه جمع ملقح بحذف الزوائد. أو تلقح الشجر بجري مائها فيه، أو تنيمته ليثمر ويزهو. وجوَّز كون اللواقح جمع لاقح وهي الناقة الحامل. فشبهت الريح التي تجيء بالمزن الممطرة بها، كما يشبه ما لا تكون كذلك بـ العقيم فقيل: ريح عقيم {فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ} أي: بقادرين على إيجاده وإنزاله. والخزن اتخاذ الخزائن يستعار للقدرة، كما مرَّ، أو بحافظين له في أمكنة ينابيعه، من سهول وجبال وعيون وآبار، بل هو تعالى وحده الذي حفظه وسلكه ينابيع في الأرض وجعله عذباً ورحم بسقياه.
{وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} أي: الباقون بعد هلاك الخلق كله. وقيل للباقي: وارث، استعارة من وارث الميت لأنه يبقى بعد فنائه. ومنه قوله صلوات الله عليه في دعائه: «واجعله الوارث منا». كذا في الكشاف.

.تفسير الآيات (24- 25):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [24- 25].
{وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنكُمْ وَلَقَدْ عَلِمْنَا الْمُسْتَأْخِرِينَ} أي: من تقدم ولادةً وموتاً، ومن تأخر من الأولين والآخرين. أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج بعد. أو من تقدم في الإسلام وسبق إلى الطاعة ومن تأخر. لا يخفى علينا شيء من أحوالكم. وهو بيان لكمال علمه بعد الاحتجاج على كمال قدرته، فإن ما يدل على قدرته دليل على علمه، وفي تكرير قوله: {وَلَقَدْ عَلِمْنَا} من كمال التأكيد ما لا يخفى.
{وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ} أي: الأولين والآخرين على كثرتهم: {إِنَّهُ حَكِيمٌ} أي: يدبر أمرهم في الحشر على وفق الحكمة: {عَلِيمٌ} أي: بكل ما فيهم من خفايا الصفات الذميمة: {سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُم} [الأنعام: 139].

.تفسير الآيات (26- 27):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} [26- 27].
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ} يعني آدم: {مِن صَلْصَالٍ} أي: طين يابس مصوِّت: {مِّنْ حَمَإٍ} صفة لصلصال، أي: كائن من طين متغير مسود: {مَّسْنُونٍ} أي: مصور، من سنة الوجه وهي صورته. أو مصبوب، من سنِّ الماء صبه. أي: مفرغ على هيئة الإنسان. كأنه سبحانه أفرغ الحمأ فصور منها تمثال إنسان أجوف، فيبس حتى إذا نقر صلصل، ثم صيَّره جسداً ولحماً ونفخ فيه من روحه.
{وَالْجَآنَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ} أي: من قبل الإنسان.
{مِن نَّارِ السَّمُومِ} أي: من نار الريح الشديد الحرِّ.
قال أبو السعود: ومساق الآية، كما هو، للدلالة على كمال قدرته تعالى، وبيان بدء خلق الثقلين، فهو التنبيه على المقدمة الثانية التي يتوقف عليها إمكان الحشر، وهو قبول المواد للجمع والإحياء.

.تفسير الآيات (28- 29):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [28- 29].
{وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ} أي: عدلت خلقته وأكملتها: {وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} أي: تحية له وتعظيماً.

.تفسير الآيات (30- 33):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَسَجَدَ الْمَلائكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ} [30- 33].
{فَسَجَدَ الْمَلائكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَن يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلاَّ تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ قَالَ لَمْ أَكُن لِّأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ}.
يعني: وقد خلقتني من نار، فأنا خير منه، كمما صرح به في آية غيرها. وفي تكرير قوله: {مِن صَلْصالٍ} إلخ تذكير للإنسان بأصله هذا المفضول؛ ليكون كابحاً من جماح غوايته، وشدة تمرده.

.تفسير الآيات (34- 38):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} [34- 38].
{قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا} أي: من زمرة الملائكة المعززين: {فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} أي: مطرود من كل خير وكرامة. فإن من يطرد يرجم بالحجارة. أو شيطان يرجم بالشهب، وهو وعيد يتضمن الجواب عن شبهته. فإن من عارض النص بالقياس فهو رجيم ملعون. أفاده أبو السعود.
{وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} أي: الجزاء. وهو يوم القيامة.
{قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ إِلَى يَومِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ} وهو يوم البعث.

.تفسير الآيات (39- 41):

القول في تأويل قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} [39- 41].
{قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ} أي: المعاصي: {فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} أي: الذين أخلصتهم لطاعتك وجردتهم بالتوجه إليك. وقرئ بكسر اللام، أي: الذين أخلصوا دينهم لك وأعمالهم من غير حظ لغيرك فيها.
{قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ} أي: حق نهجه ومراعاته لا اعوجاج فيه. وهو أن لا سلطان لك على عبادي المخلصين، إلا الذين يناسبونك في الغواية والبعد عن صراطي فيتبعونك، كما قال سبحانه:

.تفسير الآيات (42- 44):

{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} [42- 44].
{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} أي: قهر على الإغراء.
{إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ} أي: المطبوعين على الغواية.
{وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} قال المهايمي: لأن غوايتهم إنما كانت بترك متابعة الدليل مع متابعة الأهوية الباطلة؛ لغلبتها عليهم.
{لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ} أي: الغواة: {جُزْءٌ مَّقْسُومٌ} أي: حزب معين مفرز من غيره، حسبما يقتضيه استعداده.

.تفسير الآيات (45- 48):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا بِسَلاَمٍ آمِنِينَ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} [45- 48].
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ادْخُلُوهَا} أي: يقال لهم ادخلوها: {بِسَلاَمٍ} أي: سالمين أو مسلماً عليكم: {آمِنِينَ} أي: من الآفات والزوال.
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} أي: حقد كان في الدنيا، لبعضهم على بعض: {إِخْوَاناً} حال من فاعل: {ادْخُلُوها} أو الضمير في {آمنين}: {عَلَى سُرُرٍ} أي: مراتب عالية: {مُّتَقَابِلِينَ} لتساوي درجاتهم وتقارب مراتبهم. فيتلذذ بعضهم برؤية وجه بعض: {مُّتَقَابِلِينَ لاَ يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ} أي: تعب: {وَمَا هُم مِّنْهَا بِمُخْرَجِينَ} لسرمدية مقامهم.

.تفسير الآيات (49- 52):

القول في تأويل قوله تعالى: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} [49- 52].
{نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} أي: لمن تاب وآمن وعمل صالحاً.
{وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمُ} أي: لمن لم يتب من كفره. والجملة فذلكة لما سلف من الوعد والوعيد وتقرير له.
{وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ} أي: عن نبئه. والضيف كالزّور، يقع على الواحد والجمع.
قال في الكشاف: عطف: {وَنَبِّئْهُمْ} على: {نَبِّئْ عِبَادِي} ليتخذوا ما أحلَّ من العذاب بقوم لوط، عبرة يعتبرون بها سخط الله وانتقامه من المجرمين، ويتحققوا عنده أن عذابه هو العذاب الأليم.
{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ} أي: خائفون، وذلك لما رأى أيديهم لا تصل إلى طعامه.